Blog Post

خوارزميات فيسبوك: كيف تُباع دموع المراهقات في مزادات الإعلانات؟

خوارزميات فيسبوك: كيف تُباع دموع المراهقات في مزادات الإعلانات؟

صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

مقدمة:

“إذا كان المنتج مجانيًا، فأنت هو المنتج.”
جملة سمعناها كثيرًا، لكن خلف هذه العبارة تكمن قصة سوداوية، خاصة عندما تكون “المنتج” فتاة مراهقة تعاني من اضطرابات في صورتها الذاتية وثقتها بنفسها.

منصة فيسبوك، وذراعها البصرية “إنستغرام”، ليست مجرد تطبيقات ترفيهية بعد الآن، بل أصبحت مصانع رقمية تستخرج البيانات النفسية، وتحوّل المشاعر الإنسانية – وخاصة الضعف والألم – إلى أرباح إعلانية ضخمة. نحن أمام واحدة من أظلم زوايا العالم الرقمي: استغلال الحالة النفسية للمراهقات لزيادة التفاعل وتحقيق الأرباح.

كيف تعمل الخوارزميات؟ (نظرة أكاديمية تحليلية)

تعتمد خوارزميات فيسبوك وإنستغرام على تتبع كل حركة تقوم بها داخل التطبيق:

  • كم ثانية تقضيها على منشور؟
  • هل تضغط إعجابًا؟
  • هل ترجع لقراءة التعليق مرة أخرى؟

كل هذه السلوكيات تُترجم إلى إشارات تُغذي “نموذج التعلم الآلي”، والذي بدوره يُقرر ما المحتوى الذي يجب عرضه لكِ لاحقًا. لكن المثير للقلق أن الخوارزميات تُكافئ التفاعل السلبي أكثر من الإيجابي، لأن التفاعل السلبي أطول وأعمق وأكثر انفعالًا.
المراهقة التي تتوقف أمام صورة لجسم “مثالي”، أو فيديو لمقارنة اجتماعية، غالبًا ما تشعر بعدم الرضا. وهنا، تبدأ رحلة التفكير الزائد، المقارنة، والبحث عن حلول وهمية… لتُفاجأ بإعلان ممول لمنتج تنحيف أو مكياج “يعزز الثقة”.

حقائق صادمة وبيانات موثوقة:

وفقًا لتسريبات داخلية كشفتها صحيفة The Wall Street Journal عام 2021، اعترفت شركة Meta بالآتي:

  • 32% من الفتيات المراهقات قالوا إن إنستغرام جعلهن يشعرن بأن أجسادهن “أسوأ”.
  • المنصة تغذّي مشاعر القلق والاكتئاب لدى المراهقات عمدًا بسبب خوارزمياتها.
  • التقرير أظهر أن الشركة كانت على علم بذلك منذ سنوات، لكنها لم تتخذ خطوات فعلية للحد من التأثير.

مصدر:
“Facebook Knows Instagram Is Toxic for Teen Girls”, WSJ, 2021

التفكير المنظومي: دورة التلاعب النفسي

دعونا نفكك كيف يتم استغلال المراهقات في دورة تسويقية خبيثة:

  1. تفاعل سلبي (منشورات مقارنة، كراهية شكل الجسم، مشاعر نقص)
  2. ➡️ الخوارزميات تلتقط الإشارات
  3. ➡️ عرض المزيد من نفس المحتوى السلبي
  4. ➡️ زيادة مدة الاستخدام
  5. ➡️ ظهور إعلانات مستهدفة
  6. ➡️ إقبال على الشراء بدافع الحاجة النفسية
  7. ➡️ أرباح لشركة Meta

النتيجة: يتم تحويل الألم النفسي إلى قيمة سوقية.

من يتحمل المسؤولية؟

  • فيسبوك وإنستغرام:Meta
    تمتلك المعرفة والقدرة ولكن تفتقر للإرادة الأخلاقية.
  • الحكومات والرقابة:
    لا تزال متأخرة عن مجاراة تطورات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة.
  • المدارس والأهل:
    يجهلون ما يدور فعليًا خلف “الشاشة البريئة”.

تفكير عكسي: ما البديل الممكن؟

ماذا لو استُخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز الصحة النفسية بدلاً من استنزافها؟
ماذا لو كانت الخوارزميات تكافئ المحتوى الإيجابي والبنّاء؟
ماذا لو تم حظر استهداف المراهقين بإعلانات تجميل وتنحيف وتكميم نفسي؟

كيف نحمي بناتنا؟ (حلول مقترحة)

  • رفع الوعي الرقمي في المناهج الدراسية
  • تمكين الأهل من أدوات الرقابة والحوارات الصحية
  • دفع الحكومات لتشريع قوانين ضد استغلال الفئات الضعيفة
  • مقاطعة الإعلانات التي تروّج لصورة نمطية مزيفة للجمال

خاتمة:

ليس كل ما يُلمع على إنستغرام ذهبًا، بل قد يكون غبارًا على عيون طفلة تُخدع كل يوم بأنها “ناقصة”.
إذا لم نرفع صوتنا الآن، ستظل منصات التواصل الاجتماعي تشتري آلام بناتنا بالبيكسلات، وتبيعها للمعلنين على شكل فرص ربحية.

كوني واعية، وارفعي صوتك. لأن السكوت في هذه الحرب النفسية… هو موافقة.

Write a comment