المعوقات الرقمية: صراع المستخدم الفلسطيني ضد الحواجز التكنولوجية
صدقي أبو ضهير
على الرغم من الانتشار الواسع للتكنولوجيا وتطورها حول العالم، فإن هناك العديد من الحواجز التي تعيق وصول وتعلم التكنولوجيا في الأراضي الفلسطينية. هذه الحواجز تمثل جدارًا مجازيًا يحول دون الاستفادة الكاملة من التقدم التكنولوجي، وهو ما يؤثر سلبًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا المقال، سنستعرض بعض هذه العوائق ونقترح سبلًا لتجاوزها.
العوائق السياسية والاقتصادية..
الصراع الطويل والحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية يشكلان العائق الأكبر أمام تطور التكنولوجيا. القيود على حركة البضائع والأشخاص تؤدي إلى صعوبات كبيرة في استيراد المعدات التكنولوجية والحصول على الخدمات الأساسية مثل الإنترنت بجودة عالية. علاوة على ذلك، تؤدي الظروف الاقتصادية الصعبة إلى تقليل الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا، وتحديد الفرص المتاحة للشباب والمبدعين في هذا المجال.
التحديات التعليمية..
النظام التعليمي في الأراضي الفلسطينية يواجه تحدياتٍ كبيرة تتمثل في نقص البنية التحتية والموارد اللازمة لتعليم التكنولوجيا. الفصول الدراسية غالبًا ما تفتقر إلى الحواسيب الكافية والوصول إلى الإنترنت، مما يحد من قدرة الطلاب على تعلم المهارات الرقمية الأساسية والتفاعل مع التقنيات الحديثة. كما أن هناك نقص في المعلمين المدربين على تدريس التكنولوجيا، مما يزيد من الفجوة بين الطلاب في الأراضي الفلسطينية وأقرانهم في أجزاء أخرى من العالم.
العزلة الرقمية..
العزلة الرقمية هي ظاهرة أخرى تؤثر على الأراضي الفلسطينية، حيث أن العديد من المناطق، وخاصة في غزة، تعاني من انقطاعات متكررة في الكهرباء والإنترنت. هذا الانقطاع المستمر يحول دون الاستفادة من الفرص التي توفرها العولمة الرقمية، ويقيد الوصول إلى المعلومات والخدمات التكنولوجية.
دور الجانب الإسرائيلي في المعوقات التكنولوجية التي تواجه الأراضي الفلسطينية متعدد الجوانب، ويرتبط بشكل أساسي بالسياسات الإدارية والأمنية التي تفرضها إسرائيل.
هذه المعوقات تشمل:..
القيود على الاستيراد والتصدير: إسرائيل تفرض قيودًا صارمة على حركة البضائع من وإلى الأراضي الفلسطينية، مما يشمل الأجهزة التكنولوجية والمعدات اللازمة لتطوير البنية التحتية الرقمية.
السيطرة على البنية التحتية للاتصالات: إسرائيل تحتفظ بسيطرة كبيرة على البنية التحتية الأساسية للاتصالات في المنطقة، بما في ذلك شبكات الاتصالات والإنترنت، مما يؤثر على جودة وتوافر هذه الخدمات في الأراضي الفلسطينية.
التأثير على الاقتصاد الفلسطيني: الإجراءات الإسرائيلية تؤثر على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، مما يقلل من القدرة الاستثمارية في قطاع التكنولوجيا ويحد من فرص العمل والتطور الاقتصادي في هذا المجال.
القيود المفروضة على الحركة والتنقل: الحواجز ونقاط التفتيش التي تديرها إسرائيل تعيق حرية التنقل للأفراد والبضائع، مما يؤثر سلبًا على القدرة على إدارة وصيانة البنية التحتية التكنولوجية بفعالية.
هذه العوامل تجعل من الصعب على الأراضي الفلسطينية تحقيق الاستفادة الكاملة من التقدم التكنولوجي العالمي، وتحسين مستويات الأمية الرقمية، والوصول إلى المعلومات والخدمات الرقمية.
حجم استخدام الإنترنت من قبل الشباب في الأراضي الفلسطينية..
الشباب في الأراضي الفلسطينية، كما هو الحال في العديد من المناطق الأخرى، يمثلون النسبة الأكبر من مستخدمي الإنترنت. وفقاً للبيانات الصادرة في السنوات السابقة، يمكن الرجوع إلى تقرير “Digital 2021: Palestine” الصادر عن DataReportal، والذي يقدم إحصائيات شاملة حول استخدام الإنترنت والمنصات الرقمية في الأراضي الفلسطينية. هذا التقرير يظهر أن نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني تستخدم الإنترنت بنشاط لمختلف الأغراض بما في ذلك التعليم والتواصل الاجتماعي. للمزيد من التفاصيل، يمكن الاطلاع على المزيد من المعلومات عبر موقع DataReportal مباشرة، ويشهد الإنترنت انتشاراً واسعاً بين الفئات الشابة التي تستخدمه لأغراض متعددة بما في ذلك التعليم والتواصل الاجتماعي.
في الأراضي الفلسطينية، تشير البيانات إلى أن استخدام الإنترنت قد ازداد بشكل ملحوظ على مدى السنوات الأخيرة. في عام 2021، كان هناك حوالي 3.65 مليون مستخدم للإنترنت، بنسبة انتشار بلغت 70.6٪ من السكان. بالنسبة للشباب، يشير التقرير إلى أن نسبة كبيرة منهم تستخدم الإنترنت بشكل منتظم، خصوصًا منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، حيث أشارت الأرقام في عام 2022 إلى أن نسبة الوصول إلى فيسبوك بين مستخدمي الإنترنت بلغت 71.0٪ وإنستغرام 49.6٪ من مجموع مستخدمي الإنترنت (DataReportal – Global Digital Insights) (DataReportal – Global Digital Insights).
من الجدير بالذكر أن هناك تحديات تواجه الشباب في الاستفادة الكاملة من الإنترنت، بما في ذلك نقص البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق، والفجوات التعليمية التي تؤثر على الأمية الرقمية. تُظهر الدراسات أن حوالي 17٪ من الفلسطينيين يقولون إنهم لا يستخدمون الإنترنت على الإطلاق، وهي نسبة أقل مقارنة ببعض الدول الأخرى في المنطقة (Arab Barometer).
أكثر استخدامات الإنترنت في الأراضي الفلسطينية..
التواصل الاجتماعي: يعد استخدام منصات مثل فيسبوك، واتساب، وإنستغرام شائعاً جداً بين الشباب الفلسطيني. هذه المنصات تساعد على البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة وكذلك تُستخدم كأدوات للتعبير السياسي والاجتماعي.
التعليم والتعلم الإلكتروني: بسبب القيود على الحركة والتحديات التعليمية، يستفيد الكثير من الطلاب من الموارد التعليمية عبر الإنترنت والدورات التعليمية المفتوحة عبر الإنترنت لتحسين مهاراتهم ومعارفهم.و يمكن الرجوع إلى تقارير اليونيسكو التي تغطي استخدام التعليم الإلكتروني في مختلف المناطق، بما في ذلك الشرق الأوسط. هذه التقارير تقدم بيانات وتحليلات حول كيفية استفادة الطلاب من الموارد التعليمية الرقمية، خصوصًا في ظل التحديات مثل القيود على الحركة. للحصول على معلومات مفصلة، يمكن زيارة موقع اليونيسكو الإلكتروني والاطلاع على القسم الخاص بالتعليم.
التجارة الإلكترونية: هناك نمو في استخدام الإنترنت للتجارة الإلكترونية، حيث يتجه الشباب وأصحاب الأعمال للبيع والشراء عبر الإنترنت، مما يساعد على تجاوز بعض الحواجز الاقتصادية والجغرافية. يمكن الرجوع إلى تقرير “E-commerce in the Middle East and North Africa: Status and Prospects” الذي أصدره مركز الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD). هذا التقرير يغطي تطور التجارة الإلكترونية في المنطقة، بما في ذلك الاستخدام المتزايد للإنترنت في الأعمال التجارية وكيف يساهم ذلك في تخطي الحواجز الاقتصادية والجغرافية. يوفر التقرير بيانات وتحليلات مفصلة حول الاتجاهات الحالية والمستقبلية للتجارة الإلكترونية في المنطقة.
الأخبار والمعلومات: الوصول إلى الأخبار والمعلومات يعد من الاستخدامات الأساسية للإنترنت في الأراضي الفلسطينية، حيث يستخدم الشباب والكبار على حد الأخبار والمعلومات يعد من الاستخدامات الأساسية للإنترنت في الأراضي الفلسطينية، حيث يستخدم الشباب والكبار على حد سواء المواقع الإخبارية ومنصات الوسائط الاجتماعية للحصول على آخر التحديثات والمعلومات المحلية والعالمية، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية المتغيرة.
الخدمات الحكومية والصحية: مع تزايد الحاجة لتحسين الخدمات العامة، هناك دفع نحو تقديم الخدمات الحكومية والصحية عبر الإنترنت لتسهيل الوصول لها وتقليل الحاجة للتنقل، وهذا يشمل التسجيل في الخدمات الصحية، حجز المواعيد، والاستعلامات الحكومية.
والجدير بالذكر أن العثور على معلومات محددة تتعلق بنسبة الدخل الناجم عن استخدام الإنترنت بواسطة الشباب في الأراضي الفلسطينية. غير دقيق ومع ذلك، هناك العديد من الدراسات التي تشير إلى الأثر الإيجابي لاستخدام الإنترنت على النمو الاقتصادي وفرص العمل في مناطق مختلفة، مما قد يكون له صدى مماثل في الأراضي الفلسطينية.
على سبيل المثال، تشير دراسة أجريت في سياقات أخرى إلى أن استخدام الإنترنت له تأثير مباشر على نمو دخل السكان في المناطق الريفية، خاصة من خلال تعزيز الأعمال التجارية والتوظيف غير الزراعي (Emerald Insight). هذا يمكن أن يكون مؤشراً على أن تحسين الوصول إلى الإنترنت قد يدعم أيضاً تحسين الظروف الاقتصادية للشباب في الأراضي الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، يبين تقرير البنك الدولي أن الاقتصاد الفلسطيني يواجه تحديات لكنه يظهر علامات التعافي، وهذا قد يشير إلى بيئة تمكن الشباب استغلال التكنولوجيا لتحقيق فوائد اقتصادية (World Bank).
للحصول على فهم أعمق للتأثيرات المحتملة لاستخدام الإنترنت على الدخل في الأراضي الفلسطينية، قد يكون من المفيد القيام بمزيد من الأبحاث وجمع بيانات محددة تتعلق بالسياق الفلسطيني.
استراتيجيات لتجاوز الجدار التكنولوجي..
تعزيز البنية التحتية التكنولوجية: من الضروري العمل على تحسين وتوسيع شبكات الإنترنت والكهرباء في الأراضي الفلسطينية، مع التركيز بشكل خاص على المناطق الأكثر عزلة. يمكن للشراكات الدولية والدعم من المنظمات غير الحكومية أن تلعب دورًا كبيرًا في تمويل وتنفيذ هذه التحسينات.
الاستثمار في التعليم التكنولوجي: تحتاج المؤسسات التعليمية إلى تعزيز المناهج الدراسية بمحتوى يركز على مهارات القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك البرمجة، تصميم الويب، والذكاء الاصطناعي. كذلك، يجب تدريب المعلمين وتزويدهم بالموارد اللازمة لتعليم هذه المهارات بفعالية.
تشجيع الابتكار وريادة الأعمال: خلق بيئة داعمة للمبادرات التكنولوجية والشركات الناشئة من شأنه أن يحفز الابتكار ويوفر فرص عمل جديدة. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير حوافز للشركات التي تستثمر في التكنولوجيا وتوفير مساحات عمل مشتركة وحاضنات أعمال.
التواصل مع المجتمعات العالمية: الاستفادة من الشبكات والمنصات الدولية لتبادل الخبرات والموارد يمكن أن يعزز قدرات الشباب الفلسطيني ويفتح أمامهم آفاقًا جديدة. المشاركة في المؤتمرات والمنتديات العالمية يمكن أن تساعد في بناء شبكات الاتصال وجذب الاستثمارات.
تحسين الوصول إلى التمويل: توفير وصول أفضل للتمويل الذي يمكن استخدامه لمشروعات التكنولوجيا والبحث والتطوير. يمكن للبنوك والمؤسسات المالية أن تلعب دورًا هامًا من خلال تقديم قروض ميسرة وبرامج دعم للشباب والمبتكرين.
من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات، يمكن للأراضي الفلسطينية أن تتجاوز الجدار التكنولوجي الذي يحول دون الاستفادة الكاملة من فرص التكنولوجيا المعاصرة ويسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل.
بالنهاية مع تقدم التكنولوجيا عالميًا، يظل تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه التقنيات في الأراضي الفلسطينية تحديًا كبيرًا بسبب العوائق السياسية والاقتصادية والتعليمية. يمكن للتغلب على هذه التحديات أن يفتح آفاقًا جديدة للشباب الفلسطيني في سوق العمل العالمي ويعزز من فرصهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي.
يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات المحلية العمل معًا لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتحسين النظام التعليمي، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال. فقط من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن تجاوز الجدران الرقمية والفعلية التي تحول دون تقدم الأراضي الفلسطينية نحو مستقبل مزدهر يمكن فيه للتكنولوجيا أن تلعب دورًا محوريًا في تحقيق النمو والتنمية.
صدقي ابو ضهير، باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي