Blog Post

نفط العصر الرقمي ..

يونيو 2, 2024 سوشال ميديا
نفط العصر الرقمي ..

في عصر التقنية الرقمية وانتشار منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع، باتت البيانات الشخصية للمستخدمين تمثل ثروة ضخمة ومصدر قوة للشركات والمنصات الرقمية. تشمل هذه البيانات كل ما يتركه المستخدم على الإنترنت من معلومات؛ بدءًا من بطاقات الائتمان، والصور الشخصية، والمحادثات، وحتى الأنماط السلوكية على الإنترنت.
إن أهمية هذه البيانات لا تكمن في مجرد حجمها الهائل فحسب، بل في القدرة على تحليلها واستخلاص معلومات دقيقة ومفيدة منها، تسهم في اتخاذ قرارات تجارية، وتسويقية، وحتى سياسية محكمة.
خطورة تسرب البيانات..
تكمن خطورة تسرب البيانات في أنها تشكل انتهاكًا صارخًا للخصوصية، وقد تؤدي إلى سلسلة من العواقب الوخيمة بدءًا من الاحتيال المالي وصولًا إلى سوء استخدام الهوية الشخصية. علاوة على ذلك، تُظهر الإحصائيات أن نسبة كبيرة من حالات الاحتيال المالي والسرقات الإلكترونية تتم من خلال استغلال البيانات الشخصية المسربة.
كيفية الوصول للبيانات والتجسس عليها..
تتعدد الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى البيانات الشخصية والتجسس عليها، بما في ذلك استخدام البرمجيات الخبيثة، وهجمات التصيد الإلكتروني، والاستغلال الأمني لثغرات في أنظمة الحماية للمواقع والتطبيقات. تشكل هذه الأساليب تهديدًا متزايدًا يواجه كل مستخدمي الإنترنت.
استخدام وتجارة المنصات الرقمية بالبيانات..
تستخدم المنصات الرقمية البيانات الشخصية للمستخدمين في تحسين خدماتها، وتطوير منتجات جديدة، والأهم من ذلك، في استهداف الإعلانات بشكل دقيق. وهو ما يعود بالفائدة المالية الكبيرة على هذه الشركات. في بعض الأحيان، قد تتم تجارة هذه البيانات بشكل غير أخلاقي أو حتى غير قانوني.
التطبيقات التي تستخدم الصور الشخصية والأصوات..
يشهد عالم التكنولوجيا ظهور تطبيقات تستخدم الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرف على الوجه والصوت، والتي قد تقدم مزايا متعددة تتراوح بين تحسين تجربة المستخدم وحتى توفير وسائل أمان إضافية. ومع ذلك، تثير هذه التقنيات مخاوف خصوصية كبيرة، إذ يمكن استغلالها لأغراض التجسس أو إنشاء محتوى مزيف بدقة عالية يُعرف بـ “التزييف العميق”.
طرق الوقاية والحفاظ على البيانات..
لحماية البيانات الشخصية والحفاظ على خصوصيتها، من المهم اتباع مجموعة من الإجراءات، منها:
1. استخدام كلمات مرور قوية وفريدة: ينبغي أن تكون كلمات المرور معقدة وغير قابلة للتخمين، مع استخدام مدير كلمات المرور لتخزينها بأمان.
2. تفعيل التحقق بخطوتين: يضيف طبقة أمان إضافية، حيث يتطلب الوصول إلى الحساب رمزًا مؤقتًا يتم إرساله إلى الهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني.
3. تحديث البرمجيات: يجب دائمًا تحديث أنظمة التشغيل والبرمجيات، لإصلاح أية ثغرات أمنية قد تكون موجودة.
4. الحذر من الروابط والمرفقات المشبوهة: تجنب النقر على الروابط، أو تحميل المرفقات من مصادر غير موثوقة، للحد من خطر البرمجيات الخبيثة.
5. استخدام شبكات VPN: تساعد شبكات الـ VPN في حماية بياناتك عند استخدام شبكات الإنترنت العامة، عبر تشفير الاتصال.
6. التدقيق في إعدادات الخصوصية: يجب مراجعة وتخصيص إعدادات الخصوصية على منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات، للسيطرة على من يمكنه رؤية معلوماتك ومشاركاتك.
يتزايد الطلب على البيانات بشكل ملحوظ في عصرنا الحالي، لدرجة أن الكثيرين يشبهون البيانات بأنها “نفط العصر” الجديد أو كهرباء الذكاء الاصطناعي. هذا التشبيه يوضح القيمة الهائلة للبيانات في تشغيل وتحسين الأنظمة الذكية والقرارات الاستراتيجية في الشركات والمؤسسات. وفي ظل هذه الأهمية المتزايدة، تسعى العديد من الجهات، سواء كانت شركات خاصة أو كيانات أخرى، للحصول على هذه البيانات، سواء بطرق مشروعة أو غير ذلك.
لقد لفت نظري مؤخرًا تزايد عدد الخدمات التي تعرض تحليل البيانات، مثل تحليل أرشيف المحادثات على “ChatGPT” وأرشيفات أخرى. تُثير هذه الخدمات تساؤلات جدية بشأن الخصوصية وأمان البيانات، حيث يمكن استغلال هذه البيانات في العديد من الأغراض مثل: تدريب النماذج الحاسوبية، والتسويق والإعلان، وتحسين الخدمات، والتخصيص الشخصي لها. ونظرًا لقيمة هذه البيانات، فإنها تُعد سلعة ثمينة في السوق الرقمي.
من المهم الإشارة إلى بعض الأساليب والطرق التي يمكن أن تُخدع بها ويتم الحصول على بياناتك:
1. اختبارات وألعاب التسلية: الاختبارات التي تخبرك بأي شخصية كرتونية تشبهك، أو ما هو برجك حسب شهر ميلادك، لتجمع بياناتك الشخصية.
2. مسابقات وجوائز: الوعود بجوائز مقابل إدخال معلوماتك الشخصية مثل: الإيميل أو رقم الهاتف، غالبًا ما تكون وسيلة لجمع البيانات.
3. تطبيقات تحليل الصور والنصوص: تطلب منك تحميل صورتك لتحليلها بغرض الترفيه، لكنها تجمع هذه الصور، وقد تستخدمها لأغراض أخرى.
4. خدمات حماية المعلومات: تدعي أنها تحمي خصوصيتك، لكنها في الحقيقة تجمع معلوماتك لاستخدامها أو مشاركتها.
5. إعلانات تحذيرات الأمان: مصممة لتنقر عليها، وقد تقودك إلى مواقع تجمع معلوماتك، أو تلحق الضرر بجهازك.
6. استخدام متتبعات غير مرئية: تعتمد بعض المواقع على أدوات تتبع خفية تراقب نشاطك على الإنترنت، حتى لو لم تكن تستخدم الموقع مباشرة، لجمع معلومات عن سلوكك واهتماماتك.
7. الرسائل المزيفة: تصلك رسائل تدعي أنك فزت بجائزة، أو تحتاج إلى تحديث معلومات حسابك.
هذه الرسائل تسعى إلى خداعك لتقوم بإدخال بياناتك الشخصية والحساسة، مما يعرضها لخطر الاستغلال غير المشروع.
8. الاستبيانات: تطلب منك بعض المواقع أو التطبيقات ملء استبيانات تحتوي على أسئلة تتعلق بمعلومات شخصية جدًا، مثل: عادات الشراء أو الأفضليات الشخصية، بزعم أنها لأغراض البحث العلمي أو لتحسين الخدمات، ولكنها في الحقيقة قد تستخدم هذه البيانات في التسويق المستهدف، أو حتى تبيعها لطرف ثالث.
9. مواقع المحادثات والتواصل: تُستخدم هذه المواقع أحيانًا لجمع بيانات المستخدمين من خلال المحادثات والمشاركات الشخصية، حيث يمكن أن تحتوي على معلومات حساسة تستخدم في بناء ملفات تعريف الاهتمامات والسلوكيات.
إن الوعي بأساليب وتقنيات جمع البيانات هذه أمر حاسم لحماية خصوصيتك على الإنترنت. من الضروري التحقق من مصداقية المواقع والتطبيقات قبل إدخال أية معلومات شخصية، واستخدام إعدادات الخصوصية بفعالية، والانتباه إلى الأذونات التي تمنحها للتطبيقات على أجهزتك. بالإضافة إلى ذلك، يُعد استخدام أدوات مثل مانع التتبع والشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) طريقة فعّالة لتعزيز الأمان والحفاظ على سرية نشاطك على الإنترنت.
الختام..
تحمل البيانات الشخصية التي يتركها المستخدمون في مواقع التواصل الاجتماعي قيمة كبيرة وخطورة لا يمكن إغفالها. تتطلب حماية هذه البيانات جهدًا مشتركًا بين المستخدمين والشركات التي تدير هذه المنصات. بينما تواصل التكنولوجيا تطورها بوتيرة سريعة، يجب على المستخدمين تعزيز وعيهم وتبني أفضل الممارسات لحماية خصوصيتهم وأمانهم الرقمي.
من الضروري التأكيد على أهمية التوعية الرقمية وتقديم الإرشادات حول أمن المعلومات لجميع الفئات، خاصةً للأجيال الناشئة التي تقضي وقتًا كبيرًا على الإنترنت.
مع التطور المستمر في أساليب التحليل واستخراج البيانات، تتزايد أهمية الشفافية من قبل الشركات في كيفية جمعها واستخدامها ومشاركتها للبيانات الشخصية. ومن الضروري أن تضع الأنظمة التنظيمية والقوانين المزيد من الضوابط والإجراءات التي تضمن حماية البيانات الشخصية وتوفير حقوق واضحة للمستخدمين للتحكم في بياناتهم.
في ختام الأمر، يقع على عاتق كل فرد مسؤولية حماية بياناته الشخصية بالاستعانة بالأدوات والمعرفة المتاحة. بينما تستمر التكنولوجيا في التطور، يجب على المجتمع الدولي تعزيز الأطر التنظيمية والقانونية لضمان توازن بين التقدم التكنولوجي وحماية الخصوصية والبيانات الشخصية.

صدقي أبوضهير.. باحث ومستشار بالإعلام والتسويق الرقمي