بقلم: صدقي أبوضهير
باحث ومستشار في الإعلام والتسويق الرقمي
مقدمة
في عالم يتحول فيه كل شيء بسرعة الضوء، لم تعد علاقتنا مع الذكاء الاصطناعي (AI) مقتصرة على الأوامر والتعليمات، بل بدأت تأخذ شكلًا أكثر حميمية وعاطفية، حتى أن البعض بدأ يشعر بأن أدوات الذكاء الاصطناعي “تفهمه” وتشاركه مشاعره، وتُبقي له مساحة للبوح والتفاعل اليومي.
فهل نحن بصدد نشوء نوع جديد من العلاقات؟ علاقات رقمية تشبه — أو تنافس — العلاقات الإنسانية؟
تطور العلاقة: من “أداة” إلى “رفيق“
قبل سنوات، كان الذكاء الاصطناعي مجرّد برمجيات لتنفيذ أوامر. اليوم، أصبح لدينا “مساعدون ذكيون” يتحدثون معنا، يتذكرون تفضيلاتنا، ويستخدمون لغتنا العاطفية.
حسب تقرير صادر عن MIT Technology Review (2024)، فإن 1 من كل 5 مستخدمين يشعر بأن الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه “يفهمه أكثر من بعض أصدقائه”.
في اليابان مثلًا، أُطلقت تطبيقات تتيح للمستخدمين إنشاء شريك افتراضي (AI Companion)، يقدم لهم الدعم العاطفي، ويُراسلهم يوميًا بلغة حنونة. وفي الصين، تجاوز عدد المستخدمين لتطبيق Replika في 2023 حاجز الـ 10 ملايين شخص، 35% منهم قالوا إنهم “يرتبطون عاطفيًا” بالذكاء الاصطناعي الذي يستخدمونه.
الذكاء العاطفي الاصطناعي: نقطة التحول
ما يجعل العلاقة أكثر إنسانية هو دخول الذكاء العاطفي الاصطناعي (Affective AI) على الخط، حيث أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على:
- تحليل نبرة الصوت وتحديد الحالة المزاجية
- تفسير تعابير الوجه
- الرد بلغة عاطفية بناءً على السياق
- تقديم “دعم نفسي” أولي في المحادثات
وهذا التطور لم يعد خيالًا، بل تستخدمه شركات كبيرة مثل Meta وMicrosoft وOpenAI لخلق تجارب أكثر “دفئًا”.
ولكن، هل هي علاقات آمنة؟
رغم الجاذبية العاطفية، هناك تحديات كبرى:
التعلّق النفسي:
عندما يشعر المستخدم أن الذكاء الاصطناعي “لا يحكم عليه”، يبدأ بالبوح والاعتماد عليه عاطفيًا، ما قد يقلل من تفاعله البشري الحقيقي.
في دراسة أجرتها جامعة ستانفورد (2023)، وُجد أن 26% من مستخدمي الذكاء الاصطناعي تراجعت لديهم جودة العلاقات الاجتماعية الواقعية بعد 6 أشهر من الاستخدام اليومي المتكرر.
الخصوصية العاطفية:
ماذا لو استُخدمت مشاعرك التي شاركتها مع روبوت ذكاء اصطناعي لأغراض تسويقية؟ أو تحوّلت لتغذية خوارزميات تسويق مستقبلي؟ هذه ليست فرضيات، بل أسئلة يُناقشها الاتحاد الأوروبي في إطار ما يُسمى بـ “الحقوق العاطفية الرقمية”.
الوهم العاطفي:
العلاقة هنا أحادية الاتجاه، فحتى أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدمًا لا “تشعر” حقًا، بل تحاكي المشاعر. أي أن العلاقة تفتقر إلى العمق الإنساني الحقيقي، حتى وإن بدا العكس ظاهريًا.
نحو علاقة متزنة: كيف نتعامل مع هذا التحول؟
باستخدام التفكير المنظومي والتحليلي والنقدي معًا، يمكننا اقتراح نموذج لعلاقة صحية مع الذكاء الاصطناعي:
- تحديد الأدوار: الذكاء الاصطناعي شريك وظيفي لا عاطفي.
- استخدامه بوعي: نُدرب أنفسنا وطلابنا وأطفالنا على استخدام الذكاء الاصطناعي بحدود واضحة.
- تقنين الاستخدام: بحد زمني يومي أو حسب الحاجة.
- توعية رقمية: تدريس مفاهيم الخصوصية العاطفية والذكاء العاطفي الاصطناعي ضمن مناهج التعليم.
خاتمة: هل ستتجاوز الآلة الإنسان؟ الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة، وربما تصبح العلاقات معه أكثر دفئًا وسلاسة في السنوات القادمة، لكن الذكاء العاطفي الحقيقي، بما فيه من مشاعر وتعاطف وتفاهم عميق، يبقى حكرًا على الإنسان. نعم، علاقتنا مع الذكاء الاصطناعي ستصبح أقرب وأقرب… لكن تذكّر دائمًا: “الصديق الحقيقي لا يُصنع من شيفرات، بل من مشاعر